يُحيي الكشافة في شتى بقاع العالم، يوم الجمعة الأول من أغسطس، مناسبة اليوم العالمي للمنديل الكشفي، مرتدين مناديل جمعياتهم الوطنية بكل فخر واعتزاز، مستحضرين بذلك قيمة هذا الرمز الذي شكّل عبر العقود أحد أبرز ملامح الزي الكشفي، وأعمقها دلالةً على الانتماء والالتزام؛ ففي هذا اليوم، يرفع الكشافون شعار “كشاف يوم.. كشاف دوم”، مجددين عهدهم بمبادئ الحركة التي لم تكن يوماً مجرد نشاط عابر، بل أسلوب حياة ومشروع تربوي متكامل.
فكرة هذا اليوم تعود إلى عام 2007، حينما أطلقتها كشافة النمسا احتفاءً بمرور قرن على تأسيس الحركة الكشفية العالمية، لتكون دعوةً مفتوحة إلى الكشافين القدامى والجدد لارتداء المنديل في كل مكان وزمان، إحياءً لروح الكشفية في المجتمع، وتذكيراً بدورها الحيوي في صناعة الأجيال.
ولمن تشبّعوا بروح هذه الحركة النبيلة، يدركون أن المنديل ليس مجرد وشاح يُلف حول العنق، بل هو رمز لمسؤولية عظيمة، لا يُستحق إلا بعد التمكن من مبادئ الوعد والقانون الكشفي، وتطبيقها قولاً وفعلاً؛ فارتداء المنديل هو شهادة انتماء لمنظومة أخلاقية، تربوية، إنسانية، تُعنى بغرس القيم، وبناء الشخصية، وتعزيز روح العطاء والانضباط.
لكن، ومما يُؤسف له، أن هذه المناسبة أصبحت في السنوات الأخيرة سبباً لمزيج من الألم والحسرة، إذ لم يسلم المنديل من الابتذال والاستهانة من قِبل بعض من ابتُليت بهم الحركة الكشفية – حتى وإن تقدّمت أعمارهم – ممن لم يدركوا عمق رسالتها، ولم يحملوا من الكشفية إلا اسمها وزيّها؛ فقد تحولت في نظرهم إلى مجرد مظهر اجتماعي، لا روح فيه ولا مضمون، وأمست فعالياتها عند البعض استعراضاً صورياً، فارغاً من أهدافه التربوية والتأهيلية.
لقد بات محزناً أن نرى المنديل على أعناق من لا يمارسون أدبيات الكشفية، ولا يلتزمون بما تمثّله من قيم؛ هم غافلون أو متغافلون عن كونها حركة شبابية تربوية، تسعى لإعداد النشء إعداداً سليماً، يقوم على الإيمان، وخدمة الوطن، والاعتماد على النفس، والعيش في الخلاء، والبُعد عن السلوكيات السلبية؛ كشفية تنمّي في الفرد روح العمل، والصدق، والانضباط، لا “كشافة الصور” والمجاملات.
ولأن النقد الصادق دليل محبة، فإننا نأمل أن تكون هذه المناسبة فرصة لمراجعة الذات، وفرصة صادقة لعودة الصفاء إلى صفوفنا، بتقويم من ضلّ عن الطريق، أو إخراج من لا يليق به ارتداء هذا الرمز، ولو تطلب الأمر دروساً تأهيلية مكثفة ” دروس خصوصية !!”، تُعيد للمنديل هيبته ومكانته التي يستحقها، وترفع عن الكشفية ما لحق بها من تشويه.
فالكشفية كانت، وستظل مشروعاً لبناء الإنسان، لا مجرد زي يرتدى، أو صورة تًنشر.. والله من وراء القصد.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3