منتدى رؤية الخليج “فيجن جولف 2025”

فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي تعيدان رسم ملامح مستقبلهما الاقتصادي نحو شراكة استراتيجية

د . أشواق الحربي

لم يعد ينظر لدول الخليج كمجرد أسواق استهلاكية، بل أضحت تمثل اليوم شركاء فاعلين ولاعبين محوريين في مشهد الابتكار العالمي. يأتي هذا التحوّل الاستراتيجي ليعكس الحضور المتنامي لأكثر من 2000 شركة فرنسية تابعة تنشط في أرجاء المنطقة، مساهمة بخبراتها الصناعية في دفع عجلة التحول المستدام ضمن القطاعات الأكثر حيوية وتأثيرًا.

على مدار يومين، استقطب المنتدى أكثر من 1200 مشارك، من بينهم 550 شخصية رفيعة المستوى من دول مجلس التعاون الخليجي، اجتمعوا في مقر وزارة الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسية، بهدف تعزيز العلاقات الاستراتيجية ودفع مسيرة التعاون نحو رسم مستقبل اقتصادي مشترك ومستدام بين الجانبين.

استضاف المنتدى خمسة وزراء، ونحو 80 متحدثًا من كبار الشخصيات، إلى جانب أكثر من 2000 اجتماع رسمي وغير رسمي، وبمشاركة أكثر من 70 جهة شريكة. وقد عزز هذا الزخم من مكانة المنتدى كمنصة محورية للتعاون الاقتصادي بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي.

تجدر الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري بين فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي بلغ 21 مليار يورو في عام 2024، مدفوعًا بشبكة ديناميكية تضم نحو 17000 مُصدّر فرنسي إلى المنطقة. يعكس هذا الرقم المتنامي الزخم المتصاعد في العلاقات الاقتصادية الثنائية، ويؤكد حجم الفرص المتبادلة التي تستفيد منها كلا الجهتين بشكل متزايد.

الكلمات الافتتاحية والتمثيل الاستراتيجي الرفيع

افتُتِح منتدى “رؤية الخليج 2025” بكلمات افتتاحية قيمة من كل من:

  • لوران سان -مارتين، الوزير المفوض المكلف بالتجارة الخارجية وشؤون الفرنسيين في الخارج.
  • ديدييه بولون، نائب الرئيس التنفيذي للتصدير لدى وكالة بيزنس فرانس.

كما شهد المنتدى مشاركة بارزة من خمسة وزراء، من بينهم:

  • إريك لومبارد، وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية في فرنسا.
  • سعادة أحمد السيد، وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية في دولة قطر.
  • سعادة محمد الهاوي، وكيل وزارة الاستثمار في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومن المشاركين الرئيسيين الآخرين:

  • جان إيف لو دريان، رئيس مجلس إدارة الوكالة الفرنسية لتطوير العلا، وزير الخارجية الفرنسي السابق، والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي للشرق الأوسط.
  • سعادة الدكتورة نوف النمير، الأمين العام للجنة الوزارية للصحة في كل السياسات في المملكة العربية السعودية.
  • باسكال كاني، السفير الفرنسي للاستثمار الدولي، رئيس مجلس إدارة وكالة بيزنس فرانس.
  • عبير العقل، الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا، المملكة العربية السعودية.
  • شيماء صالح الحسيني، الرئيس التنفيذي للاتحاد السعودي للرياضة للجميع، المملكة العربية السعودية.

في كلمته الافتتاحية للمنتدى، صرّح لوران سان -مارتين، الوزير المفوض المكلف بالتجارة الخارجية وشؤون الفرنسيين في الخارج قائلا: “من الأهمية القصوى التأكيد على ضرورة تعزيز الروابط بين دول الخليج وفرنسا”.

وأضاف: “تأتي هذه القمة في لحظة محورية، تدعونا إلى تذكير العالم بقوة روابطنا القائمة، والأهم من ذلك، بما يمكننا تحقيقه معًا في المستقبل. في هذا السياق، يمثل منتدى ” رؤية الخليج” واجهة حقيقية لقوتنا المشتركة.”

وصرّح سعادة أحمد السيد، وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية في دولة قطر، قائلاً:”يُعد التعاون الاقتصادي والتجاري حجر الأساس في الشراكة القطرية الفرنسية

.”وأضاف”: على مدى السنوات الخمس الماضية، بلغ حجم التبادل التجاري بين قطر وفرنسا نحو 11 مليار يورو. واليوم، تحتضن السوق القطرية مئات الشركات الفرنسية النشطة في مختلف القطاعات، من بينها ” توتال إنرجيز” و”تاليس” وعدد من الشركاء الرئيسيين الآخرين.”

ومع استمرار تعمق العلاقات الاقتصادية، برزت الصحة العامة والتنمية البشرية كركيزتين استراتيجيتين بنفس القدر من الأهمية في مسار التعاون.

في هذا الإطار، صرّحت سعادة الدكتورة نوف النمير، الأمين العام للجنة الوزارية للصحة في جميع السياسات بالمملكة العربية السعودية، قائلة:” إننا نعيش في عالم تتسارع فيه متطلبات أنظمة الرعاية الصحية، نتيجة لتقدم السكان في العمر، وانتشار الأمراض المزمنة، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن ترتفع هذه التكاليف بمعدل يتراوح بين 7 و8% سنويًا بحلول عام 2027 “.

وأضافت:”في المملكة العربية السعودية، اتخذنا قرارًا استراتيجيًا يتمثل في النظر إلى الصحة ليس فقط كتحدٍ يجب التغلب عليه، بل كقيمة يجب صونها وأساس يُبنى عليه المستقبل.

لقد كانت فرنسا دائمًا في طليعة الابتكار في مجال الصحة العامة، من خلال أبحاثها الحيوية المتقدمة وحلولها الرقمية المبتكرة. في المقابل، تقدم المملكة نظامًا بيئيًا متكاملًا، وحجمًا ديموغرافيًا واعدًا، لتسريع وتيرة الإصلاحات ودفع عجلة الابتكار.”

لتختم بالقول:”لدينا سكانًا يتزايد عددهم بوتيرة سريعة، وقوة عاملة رقمية، وجيلًا متمرسًا في التكنولوجيا، إلى جانب التزام سياسي راسخ لا يتزعزع بدعم التحول في قطاع الصحة.”

التقارب القطاعي والموهبة كمحرك:

من خلال 10 موائد مستديرة قطاعية و8 كلمات رئيسية، ركزت نسخة 2025 من المنتدى على آفاق التعاون المستقبلي في المجالات التالية:

  • الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة.
  • الطاقة، المياه وإدارة النفايات.
  • الصحة، النقل، الزراعة والتعليم.
  • الرفاهية، التجزئة، الرياضة والسياحة.

وكان من أبرز فعاليات هذا العام تدشين جلسة خاصة بالتعليم وتنمية رأس المال البشري، حيث شكّلت قضية المواهب، تطويرها، استقطابها، الاحتفاظ بها، وتمكينها، محورًا رئيسيًا في مختلف الجلسات والنقاشات. وقد تناولت الجلسات عدة محاور استراتيجية، من أبرزها:

  • مواءمة استراتيجيات تنمية المواهب مع أهداف ورؤى 2030 في دول مجلس التعاون.
  • تعزيز نقل المعرفة والخبرة عبر الحدود.
  • توسّع المؤسسات الأكاديمية الفرنسية في المنطقة للمساهمة في إعادة تشكيل القوى العاملة على المدى الطويل.

من بين أبرز هذه المبادرات، الشراكة الاستراتيجية بين المدرسة متعددة التقنيات (البولتيكنيك) الفرنسية وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، والتي تمثل دلالة واضحة على الدور المتنامي الذي تؤديه فرنسا في دعم الاقتصاد المعرفي لدول الخليج.

 

فرنسا ودول مجلس التعاون الخليجي: رؤى مشتركة، رهانات مشتركة:

ترى فرنسا تلاقيًا واضحًا وتآزرًا استراتيجيًا بين خطة فرنسا 2030 “والأجندات التحولية الطموحة لدول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما في مجالات الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، التقنيات العميقة، الابتكار الصناعي، وتنمية رأس المال البشري. وتمثل هذه الأولويات المشتركة أرضية صلبة للتعاون المستدام في مجالات الاستثمار المشترك، والإنتاج المشترك، وخلق القيمة المضافة على المدى الطويل.

وقد صرح إريك لومبارد، وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي قائلا: “أنا مقتنع بأن تطوير العلاقات التجارية يشكل ركيزة للسلام والاستقرار”. وأضاف: “فرنسا صوت رائد داخل الاتحاد الأوروبي ومدافع قوي عن بناء الجسور بين الشرق والغرب. أعتقد أن بلداننا قادرة على أن تكون منصات استراتيجية لبعضها البعض للوصول إلى أسواق جديدة، خصوصًا في ظل بيئة عالمية تتسم بالتوتر وعدم اليقين.”

وبعيداً عن التجارة والدبلوماسية، يبرز التقدم الاجتماعي والرفاه كمواضيع محورية في مسيرة التحول في جميع أنحاء المنطقة.

في هذا السياق، قالت شيماء صالح الحسيني، الرئيس التنفيذي للاتحاد السعودي للرياضة للجميع: “الاتحاد يُجسّد مثالًا حيًا وملموسًا على أن الشمول والتمكين ليسا مجرد طموح، بل واقع يتحقق في المملكة العربية السعودية الحديثة. لتضيف قائلة “نحن لا نبني فقط سعودية أفضل، بل نبني سعودية أكثر صحة وسعادة. ومن خلال الرياضة، نضيف ركيزة حيوية جديدة تدعم نمو الاقتصاد الوطني.”

رؤية الخليج”: منصة بنيت لتحقيق نتائج ملموسة

جاء انعقاد منتدى “رؤية الخليج 2025″، الذي تم تنظيمه من قبل وكالة بيزنس فرانس، ثمرة للتعاون الفاعل مع مجموعة من الشركاء الرئيسيين الذين أسهموا في تحويل هذه الرؤية إلى واقع:

  • ثاليوم للاستشارات (Thallium Consulting)
  • جامعة عجمان (Ajman University)
  • البنك السعودي الأول (Bank SAB)
  • بنك الاستثمارات العامة الفرنسي (Bpifrance)
  • بنك أبوظبي الأول (FAB)
  • قادة البناء الحديثة وإيكاد (Modern Building Leaders & ICAD)
  • باور إنترناشيونال القابضة واستثمار القابضة( (Power International Holding and Estithmar Holding
  •  إثمار الدولية القابضة Ethmar International Holding))

وقد قال ديدييه بولون، نائب الرئيس التنفيذي للتصدير لدى وكالة بيزنس فرانس: ” رغم ما يشهده الشرق الأوسط من توترات مستمرة، تظل وكالة بيزنس فرانس، إلى جانب شركائها، ملتزمة ببناء الجسور وصياغة مستقبل مشترك.”  وأضاف: نواصل التقدم على أساس من الثقة والاحترام المتبادل مع شركائنا في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي ست دول تربطنا بها علاقات استثنائية بحق، تؤكدها شراكاتنا المتنامية والتعاون الملموس على أرض الواقع.”

وتسعى هذه المنصة الرائدة للتعاون الثنائي إلى تسريع وتيرة الصفقات، وتعميق المبادرات المشتركة، والمساهمة في رسم ملامح مستقبل اقتصادي مستدام قائم على المنفعة المتبادلة.

رسالة ختامية: الثقة، الاستمرارية، والهدف المشترك

اختُتم المنتدى بكلمة مؤثرة ألقاها لودوفيك بوي، مدير الدبلوماسية الاقتصادية في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، قال فيها: “هذا الحوار يتجاوز كونه اقتصاديًا؛ إنه حوار استراتيجي، إنساني، وتطلّعي. معًا، نُرسي أسس المرونة المشتركة والازدهار طويل الأمد.”

وفي ختام أعمال المنتدى، جددت فرنسا التأكيد على مكانتها الرائدة كأول وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا للعام السادس على التوالي-في دلالة واضحة على الاستقرار، والثقة، والفرص.

زر الذهاب إلى الأعلى