قمة الرياض 2025: السعودية ترسم مستقبل الإقليم وتقود تحالفات العصر الرقمي

صالحه آل بيهان القحطاني

شهدت العاصمة السعودية الرياض في مايو 2025 حدثًا استثنائيًا في تاريخ العلاقات الدولية، حيث استقبلت المملكة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة وُصفت بأنها الأهم منذ عقود، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل على مستوى إعادة صياغة المشهد الجيوسياسي للمنطقة بأسرها.

قمة الرياض لم تكن مجرد سلسلة لقاءات رسمية، بل منصة استراتيجية لإطلاق جملة من الاتفاقيات والتحالفات الكبرى التي أعادت ترتيب التوازنات، وأكدت أن المملكة العربية السعودية باتت فاعلًا مركزيًا لا يُمكن تجاوز دوره في الملفات الإقليمية والدولية.

اتفاقيات استراتيجية تمهد لعصر جديد من الشراكة

على هامش القمة، وُقعت مجموعة من الاتفاقيات الكبرى بين المملكة والولايات المتحدة، شملت قطاعات استراتيجية:
• الاقتصاد والاستثمار: إعلان عن استثمارات سعودية في السوق الأمريكية تفوق 600 مليار دولار خلال أربع سنوات، تتوزع على مجالات التقنية، الطاقة، البنية التحتية، والتعليم العالي.
• الدفاع والأمن: توقيع أكبر صفقة تسليح في تاريخ العلاقة بين البلدين بقيمة 142 مليار دولار، تشمل أنظمة متطورة في الدفاع الجوي والبحري والفضائي، من طائرات F-35 إلى تقنيات الحرب السيبرانية.
• الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي: تأسيس مراكز بيانات ومختبرات بحثية مشتركة، بقيادة شركة DataVolt السعودية وشركات أمريكية رائدة مثل OpenAI، Google، Nvidia وOracle، بهدف تمكين البنية الرقمية في المملكة وتدريب الكفاءات الوطنية.
• مشاريع الفضاء والأقمار الصناعية: إطلاق برنامج سعودي-أمريكي مشترك لتطوير تقنيات الأقمار الصناعية، ورصد الأرض والاستشعار عن بعد، وتدريب رواد فضاء سعوديين في مراكز ناسا.
• الطاقة المتجددة والمناخ: شراكات لدعم مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، وإعلان أمريكي لدعم مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الاقتصاد الدائري للكربون.

سوريا… قرار سعودي يغيّر قواعد اللعبة

المفاجأة السياسية الكبرى تمثلت في إعلان الرئيس ترامب من الرياض رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، بعد وساطة سعودية مباشرة وصريحة.
القرار يمثل تحوّلًا استراتيجيًا في التعاطي مع الملف السوري، ويعكس:
• ثقة واشنطن في قدرة الرياض على إدارة الملفات المعقدة بحكمة واحتراف.
• بداية مرحلة جديدة لإعادة إعمار سوريا بمشاركة عربية فاعلة.
• فك ارتباط بين السياسات العقابية التقليدية وحلول الواقع السياسي الجديد في المنطقة.

رحّبت الحكومة السورية بالخطوة، وأعربت عن امتنانها للدور القيادي الذي لعبته المملكة، في حين عدّتها دول عربية وأوروبية مؤشرًا على تغير في أدوات النفوذ في المنطقة.

السعودية تصعد إلى موقع “المرجع الإقليمي”

القمة أكدت أن الرياض لم تعد تلعب دور “المؤثر الصامت”، بل تحوّلت إلى مركز قرار في ملفات مصيرية، من الأمن الإقليمي إلى الاقتصاد العالمي.
فبمزيج من القوة الدبلوماسية والسيادة التقنية، استطاعت المملكة:
• صياغة نموذج تحالف قائم على التوازن والندية مع الولايات المتحدة.
• إعادة تأهيل دورها العربي والدولي كوسيط يحظى بثقة العواصم الكبرى.
• ترسيخ نموذج “الدولة الحديثة” التي توفّق بين الجذور الثقافية والريادة المستقبلية.

ما بعد القمة: ما الذي ينتظر المنطقة؟
1. تنفيذ مشاريع استراتيجية ضخمة في السعودية والولايات المتحدة، ستنعكس مباشرة على التنمية، التوظيف، ونقل المعرفة.
2. استقرار تدريجي في الملف السوري، مع انخراط أطراف عربية في جهود الإعمار والمصالحة الوطنية.
3. إعادة تموضع الخليج دوليًا، في ظل تصاعد دور المملكة في الملفات التقنية والبيئية والدبلوماسية.
4. تحوّل في شكل التحالفات الدولية، حيث باتت السعودية نموذجًا لتحالفات مرنة ومبنية على المصالح المشتركة لا الإملاءات.

خاتمة

قمة الرياض 2025 لم تكن مجرد حدث سياسي رفيع المستوى، بل لحظة إعلان عن عصر سعودي جديد. عصر تُحاكى فيه الرياض لا بوصفها عاصمة الخليج، بل عاصمة القرار العربي، ومنصة التأثير الدولي.

وبينما تتغير موازين القوى وتتساقط أنماط النفوذ القديمة، تُثبت المملكة أنها لا تنتظر مكانها على الطاولة… بل تصنع الطاولة ذاتها .

زر الذهاب إلى الأعلى