ديوان ضياء خوجة وصوت الجمال في زمن الضجيج
الرياض _ روزان المطيري
لماذا كتبت هذه المقالة؟
لأن في هذا الديوان شيء كثير لمس نفسي. لأن بين سطوره وجدتني.
كتبت هذه المقالة عن “ما في أحد شاعر”، لأنه ليس مجرد كتاب شعر، بل مرآة شعور.
ولأن ضياء خوجة، بالنسبة لي، ليس شاعرًا فحسب، بل أحد الأقلام القريبة إلى قلبي، وشاعري المفضل.
ضياء خوجة كان ولا يزال جزءًا من هذا المشهد الثقافي السعودي الذي ترك بصمته في قلوب الصغار قبل الكبار، وأنا من أولئك الذين احتفظوا بهذه البصمة في قلوبهم، دون أن تبهت أو تبهت معها المعاني.
لهذا، أكتب اليوم لأعرّفكم على شاعري المفضل… ضياء خوجة.
صدر مؤخرًا ديوان “ما في أحد شاعر” للشاعر السعودي ضياء خوجة، وهو عمل أدبي يحمل من الجمال والرقة ما يجعل القارئ يتوقف كثيرًا عند كل قصيدة، ويعيد تأمل العلاقة بين الشعر والذات، بين اللغة والموسيقى، بين الحزن والنضج.
ضياء خوجة، من مواليد مدينة جدة عام 1961، يُعد من الأسماء البارزة في المشهد الثقافي السعودي، خاصة في مجال الشعر الغنائي. بدأ رحلته الأدبية في أوائل الثمانينات، وارتبط اسمه بمرحلة نضج وتطور الأغنية السعودية. كتب لكبار الفنانين في الخليج والعالم العربي، وكان أحد الأسماء التي ساهمت في تشكيل هوية الأغنية الحديثة، من خلال كلماته التي تحمل طابعًا وجدانيًا عميقًا، ولغة تمزج بين البساطة والعمق.
في ديوانه الأخير “ما في أحد شاعر”، يمضي خوجة إلى منطقة بالغة الخصوصية، يكتب وكأنه يهمس للداخل، يبوح لا لكي يُفهم، بل ليُحس. عناوين القصائد وحدها كفيلة بأن توحي بالعذوبة والصدق، فيما تسكن في أبياتها مشاعر صادقة تنبض بالحياة والخذلان والرغبة في الفهم. يكتب ضياء عن الحب، عن الفقد، عن العزلة، لكن ليس بروح العتاب أو الغضب، بل بروح من رأى وتفهم ثم سامح، ومضى يكتب.
اللغة في هذا الديوان تحمل مزيجًا من الحداثة والدفء الإنساني، كأن القارئ أمام صديق يبوح له بقصيدة في لحظة صفاء. قصائد قصيرة، لكنها تقطر عمقًا، تترك في النفس أثرًا لا يزول بسرعة.
ولا يمكن الحديث عن ضياء خوجة دون التوقف عند تاريخه الطويل في كتابة الشعر الغنائي. فقد كان أحد أعمدة الأغنية السعودية الحديثة، وامتدت تجربته منذ الثمانينات، حيث شارك في تشكيل الذائقة الفنية لجيل كامل. كتب لكبار الفنانين، وساهم في تطور الأغنية برؤية شاعر يعرف كيف يصوغ الكلمة لتلامس القلب قبل الأذن. شعره يحمل عذوبة المجرب، وهدوء من يعرف وزن الكلمة وأثرها، وكان دائمًا قريبًا من النغمة والروح.
ورغم ضجيج الأغاني الصاخبة وموجات المهرجانات التي اجتاحت الذوق العام في هذا الجيل، لا تزال هناك أصوات نقية، تشتاق للفن الراقي. أنا من مواليد عام 1997، وأجد نفسي مشدودة دومًا نحو الشعر الأصيل والأغنية الهادئة. ربما نعيش وسط زمن سريع لا يمنح فرصة للتأمل، لكني على يقين أن جيلي، رغم كل شيء، جيل مستمع بامتياز. نُصغي لما يستحق، ونتوقف طويلاً أمام ما يمس أرواحنا.
وفي الآونة الأخيرة، حتى على منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وغيرها، بدأ كثير من الناس يعودون لاستخدام الأغاني الراقية في مقاطعهم، بعيدًا عن ضجيج المهرجانات. وكأن الذائقة الفنية بدأت تعود إلى أصالتها من جديد، لتؤكد أن الكلمة الجميلة والموسيقى الصادقة لا تغيب، بل تنتظر من يُنصت.