عندما ترفع يديك إلى السماء، متضرعًا أن يسكب الله في قلبك قدرًا من الرضا، تكتشف أنك قد غُمرت بفيض من الجود والكرم، فتفيض روحك طمأنينة وسكينة، وكأنما قد أُهديت من الرضا أضعاف ما رجوت. حينها، تشرق في داخلك شموس حب لا تأفل، فتجد نفسك مأخوذًا بجمال كل ما يحيط بك، ترى السماء فتزداد حبًا لها، وتجد في الماء رقّة، وفي الفضاء رحابة، وفي الهواء صفاء، وفي الطير بهجة تغني في أفق روحك.
يمتد الحنان في قلبك حتى يكاد يفيض على كل ما تلمسه عيناك، فتتحنن على كل شيء، وترى في أدق التفاصيل مسحة من الجمال لم تكن تراها من قبل. تنظر إلى شجرة جردتها الفصول من أوراقها، فتراها في عريكها آية من الجمال، وكأنها تهمس لك بأسرارها الصامتة. تتأمل الليل، فتجده لوحة من الحسن الخالص، لم يعد يخيفك سواده، بل يحتضنك كأم رؤوم، يلفّك برقة الحبيب، ويدثّرك بحنان لا يدركه إلا من ذاق نعمة الرضا.
وحينها، تجد نفسك تمتلك عينين جديدتين، عينين تحضنان الوجود كله بعاطفة دهشت لها أنت نفسك. تتساءل في خجل: أي جود هذا الذي أغمرني الله به وأنا لست من خير البرية؟ وأي رحمة تلك التي أحاطني بها وأنا مثقلة بالذنوب، التي لو وُضعت على الجبال لانهارت؟! لكنك تدرك أن رحمة الله أوسع من خطاياك، وأنه أرحم الراحمين، فيملأ قلبك يقينًا بأن العطاء الإلهي لا يُقاس باستحقاق، بل بلطفه وكرمه الذي لا حد له.