مقال بقلم فهد بن أحمد الصالح بعنوان (( عبدالرحمن العبدالله الصالح ،، وشهود الله في الأرض ))

فهد بن أحمد الصالح

فقدت المجمعة وأهلها رجل التربية والتعليم وصاحب الحضور الجميل والأثر العظيم الإنسان عبدالرحمن العبدالله الصالح ، ومصاب أهل المجمعة في مرضه ثم وفاته درس يستفاد منه ويؤكد خيريته وتعلقهم به ومحبتهم له بشكل فاخر ، وفي مثل هذه المواقف تظهر دون شك منزلة الإنسان في مجتمعه ويحصد ما زرعه من أثر ومأثر في عقود طويلة من الإيجابية وكأن الإنسان يكتب نفسه ليس في حياته ولكن بعد وفاته ، وهو على هذا يبني رسالة مجتمعية تتناقلها الأجيال ويقتدي بها الناس وتكتبها سير  النبلاء ، ويستفيد منها الكبير والصغير فالمصير واحد وما للإنسان إلا جميلاً يتركه ويذكر به في دنياه وأخرته وقد طاب ما ترك ، وترك لنا دروساً كثيرة لعلنا نقتدي جميعاً بها ونعمل عليها .

 

وحدثني عنه رحمه الله وغفر له وأعتقه من النار من رافقه وزامله وصحبه في سفر وحضر ولمدة تجاوزت خمسة عقود وقال : عبدالرحمن العبدالله الصالح أشهد لله وللناس أنه نشأ نشأة صالحة بشمولية تامة حتى في شبابه ، عرفته مستقيم الخُلق وسليم الطباع وصاحب مكارم أخلاق ، باراً بوالديه براً يتمناه كل أب من أولاده وكل أم من أولادها ونشاهده ونسمع عنه أنه أقرب منهم إليهم وأحن منهم عليهم ، (يقول عنه أحد رجال العلم الشرعي رحمه الله : أقصدوا هذا الرجل فهو مقبول الدعاء لأنه باراً بوالديه) ، وشاهدته محسن لكل محتاج ، يبحث عن الفقير كبحثه عن ما يخصه ويخص أسرته ولا يعلم أحد عما يقوم به في الإحسان إلا الله ، رجل مبارك في وقته وفي ماله ، لأن إحسانه كثير جداً وموجوده ومدخره ليس كبير ، وحضرت معه مواقف كثيرة يمشي في حاجة الناس حتى يثبتها لهم ويحققها ، وقد روىٰ الشيخان في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي ﷺ أنه قال: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وهو رحمه الله رجل يحفظ المعروف ويعظمه بدرجة تجعلك تسأل نفسك عما قدمت له من عمل لا يُذكر وكيف حفظه لك بهذا الإمتنان الكبير ، شاهدته يحمل الهم عن غيره ويفرج كُربات كل من يعرفه محتاج ويبعد الضيق عن كل مغتم ويعين على التوكل على الله والثقة به ويسعىٰ في إحقاق الحق دون مجاملة ، قلبه كقلب الطير لا يحمل إلا الحب وصدق المودة ، لا يعرف الحسد والحقد والبغضاء ويفرح بأرزاق الناس وسعادتهم ، صاحب مبداء وكلمة صدق طيلة علاقتنا به ، له قراءة خاصه في وجوه من يجالسهم وعنده دقة بصر وبعد بصيرة ويتبعك سراً ودون ملاحظة أحد ليسألك عما يهمك ويشغل تفكيرك ويستحلفك بالله في حاجتك ويشعرك بإخوته وصداقته ، وله اليد الطولى في سداد العديد من الديون وتكاليف جلسات غسيل الكلى للمحتاجين وتفريج الكربات سواء من حسابه الخاص أو عرض الحالات على الموسرين من معارفه ومعارف غيره ومتابعتها حتى تنتهي حاجاتهم ، كما أنه صاحب مبادرة في القرض الحسن والسداد لحين الميسرة ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ وممتثلاً لقول الله تعالى : “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) وموقناً أن المال مال الله وقد استرعاه فيه فلا يردك إن طلبت وإن علم حاجتك إبتداك بها وأمهلك في ردها ووفق مالا يزعجك ويردد دائما (من عسرك الى يسرك) ، وكما يقول صديقه المخلص له والصادق معه أن الأستاذ عبدالرحمن العبدالله الصالح  “مجموعة إنسان”.

وإبن العم والصديق والأخ عبدالرحمن العبدالله الصالح رحمه الله رجل يتحقق فيه قول (صلاح الأباء يدرك الأبناء) فقد طاب نسبه وأصلح الله ذريته وفازوا برضاه وبره وأحسن تربيتهم وتعليمهم وتأهيلهم وقوم سلوكهم حتى أصبحنا نراه في سماحتهم وحسن سلوكهم ونُبل أخلاقهم وهذا من عاجل بشرى المؤمن ، كما أنه أقرب للمثالية في صلة الرحم وروي أن النبي  ﷺ أنه قال: «الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله .» وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.» وليس هذا فقط فهو متابع في الزيارة لكل قريب قرُب منه أو بعُد عنه وكذلك مع الأصدقاء والزملاء أفراداً وجماعات ، بل تعداه الى العناية بأبناء عمومته وذريات أصدقائه ومعارفه ويتابع أخبارهم ويشاركهم أفراحهم ويعينهم في زوجاتهم ويدفعهم لمكارم الأخلاق ويحثهم عليها وإذا رأى ما يسره منهم فرح به وشجعهم للمزيد أو قومهم بلطف آبوي .

ختاماً ،، ذكر لنا العديد من الزملاء والأصدقاء أنه رحمة الله عليه في الأسبوع الذي سبق مرضه الذي لم يمهله طويلاً حتى أخذ ملك الموت أمانته قد مر بمعظم الإجتماعات والديوانيات التي يعرفها وكأنه يودع أفرادها ولذلك كان رحيله قاسي على الجميع ، ولن ينساه كل من عرفه فالناس شهود الله في أرضه وقد شهدوا له بخير وهذا مصداق لحديث أنس رصي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي ﷺ: وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال النبي ﷺ: وجبت فقال عمر بن الخطاب ما وجبت يا رسول الله ؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، وأنتم شهداء الله في الأرض . رحمه رحمة واسعة وجمعه بوالديه وإخوانه وأحبابه في مستقر رحمته وأصلح ذريته وجعلهم بارين به محسنين إليه متصدقين عنه مستغفرين له .

زر الذهاب إلى الأعلى