عبدالإله الفالح… حين يصبح الإنتاج الفني رسالة ومسؤولية

الرياض – روزان المطيري

في زمنٍ تتزاحم فيه المنصات ويتكاثر فيه المحتوى، يصبح البقاء للأعمق، لا للأعلى صوتًا.

في هذا الزخم، يبرز عبدالإله الفالح كأحد أولئك المنتجين الذين لا يرون الفن صخبًا بصريًا أو لهوًا سمعيًا، بل مشروع وعي ومسؤولية.

في هذا الحوار، يكشف الفالح عن رؤيته الفنية وموقفه من الإنتاج كأداة تغيير، ويأخذنا في رحلة من الضوء إلى الظلال، ومن الصوت إلى الصمت، حيث يُصنع التأثير الحقيقي.

1. كيف تُعرّف دورك الحقيقي كمنتج؟

دوري كمنتج ليس صناعة محتوى فحسب، بل صناعة أثر.

أنا لا أُنتج صورةً لتُرى، ولا صوتًا ليُسمع، بل أُنتج معنى ليُفهم.

أؤمن أن الفن الحقيقي لا يعيش في الشاشة، بل فيما تبقى منها بعد انطفائها…

في فكرة تُقلق، أو شعور يُوقظ، أو موقف يُعيد تشكيل الإنسان.

أنا أزرع الوعي لا بصرخة، بل بهمسة، لأنني أؤمن أن ما يغيّر الناس حقًا لا يأتي دائمًا من الضوء، بل من الظلال.

2. عندما تبدأ بإنتاج عمل جديد، ما الذي يقودك أولًا: الإحساس الداخلي أم حاجة الجمهور؟

أبدأ حيث يبدأ الصدق.

الإحساس الداخلي هو البوصلة، وحاجة الجمهور هي الخارطة.

لكن ما قيمة الخريطة إذا لم يكن القلب مَن يختار الطريق؟

الجمهور لا يريد ما يطلبه، بل ما يوقظه. وأنا لا أُلبّي الرغبة، بل أحاور الغفلة.

3. هل مرّ بك عمل شعرت أثناء إنتاجه أنك لا ترويه فقط، بل تعيشه؟ وكيف غيّرك ذلك على المستوى الشخصي؟

نعم، مررت بتجربة كنتُ فيها “داخل النص”، لا خلف الكاميرا.

شعرت أنني لا أكتب القصة، بل أنني أُكتب بها.

غمرني العمل كما تغمر الصلاة المؤمن في لحظة حضور.

خرجت من ذلك العمل إنسانًا آخر، أكثر هشاشة… وأكثر فهمًا.

حين تعيش العمل، تدرك أن الفن ليس شكلًا تعبيريًا، بل هو كائن حي، يتنفس فيك، ويبدّل جلدك دون أن تشعر.

4. في زحمة السوق والعروض والنجاحات الرقمية، كيف تحافظ على نزاهتك الإبداعية وتقاوم الإغراءات السريعة؟

> أضع مرآة أمام قلبي.

أسأل نفسي دائمًا: “هل أنا أنتج لأنني أريد أن أُقال، أم لأن لدي ما يُقال؟”

النجاح السريع يُسكر، والسطح البراق يُغري.

لكنني تعلّمت أن الذهب لا يُقاس باللمعان، بل بالثقل.

أنا لا أبحث عن الضوء المؤقت، بل عن أثر يشبه نقشًا على حجر.

وفي لحظة ضعف، أردد قول المتنبي:

“إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ، فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ.”

5. كيف توازن بين الحرية الإبداعية والمسؤولية الأخلاقية؟

الحرية لا تعني أن تقول كل شيء، بل أن تعرف متى تصمت.

الإبداع مسؤولية لا تُمنح، بل تُكتسب.

حين أكتب أو أُنتج، لا أضع سقفًا على خيالي، بل أضع مرآة أمام ضميري.

أؤمن أن الفن العظيم لا يبرر الانفلات، بل يسمو بالوعي.

أنا حرٌ لأنني مسؤول، ومسؤول لأنني أحب.

6. ما دور الذاكرة الشخصية والمجتمع في اختيارك للقصص أو المواضيع؟ وهل تعتبر عملك انعكاسًا لهويتك؟

أنا ابنُ مجتمعي، ومرآة لذاكرة أوسع من ذاكرتي.

حين أكتب، أستدعي ملامح من جدتي، وهمسات من الحارة، وبكاء سمعته من زاوية شارع لم أعد أمرّ به.

عملي ليس فقط انعكاسًا لهويتي، بل محاولة لفهمها، لترميمها، وربما، لإهدائها لجيلٍ لم يعِش ما عشناه.

وكل قصة أرويها، هي وطنٌ صغير… أضع فيه شيئًا من قلبي وشيئًا من ترابي.

7. في تجربتك، ما الفرق بين عمل “ناجح جماهيريًا” وعمل “خالِد فنيًا”؟

العمل الناجح جماهيريًا يشبه العاصفة… يهز، لكنه يمر.

أما العمل الخالد، فهو النسيم… لا يُرى كثيرًا، لكنه يعيش في الذاكرة.

الجماهير تحب الانفعال، لكن الخلود يحتاج عمقًا لا يُصفق له دائمًا.

أحيانًا يكون العمل العظيم صامتًا في وقته، لكنه يوقظ أجيالًا بعده.

8. إذا طُلِب منك أن تختصر رسالتك المهنية في جملة واحدة تُقال بعد غيابك، ماذا تحب أن تُقال عنك؟

“مرّ من هنا رجل، لم يُرِد أن يُبهر، بل أن يُفكّر. لم يكن نجمًا في سماء الفن، بل جذرًا في أرض الوطن.”

9. ماذا عن رواية 2030؟

2030 ليست رقمًا… بل وعد.

هي فصل جديد من رواية اسمها “السعودية”، كتبها المؤسس بالحرب، وكتبها الملك سلمان بالحزم، ويكتبها الأمير محمد بن سلمان بالحكمة والعزم، وبجرأة تُشبه الشهب حين تُضيء سماء الليل.

رواية 2030 هي قصة وطن يُعاد بناؤه على عين المستقبل، لا يتبع غير طموحه، ولا يشبه إلا نفسه.

وبين سطور هذه الرواية، يقف الأمير محمد بن سلمان لا كقائد فحسب، بل كفكرة…

فكرة أن المستحيل يُعاد تعريفه، وأن المجد لم يعد خيارًا، بل قدرًا نعيشه ونُشارك في صناعته.

أنا لا أراه زعيمًا فقط، بل مُلهمًا.

لا يكتفي بأن يُشير إلى الطريق، بل يسير فيه أولًا، ويُمهّده لكل من آمن بالرؤية.

هو قدوتنا إلى المعالي… من ملامحه نستمد الإصرار، ومن خطواته نستدل على اتجاه الحلم.

كل ما أُنتجه اليوم – فكرة، مشهد، صوت، أو حكاية – أحاول فيه أن أكون امتدادًا لصوت ذلك الرجل الذي أعاد تشكيل الخريطة، لا بالمشاريع وحدها، بل بالإيمان.

وإن سألتني عن المستقبل، قلت لك:

“أنا أراه في عين محمد بن سلمان.”

10. من هو قدوتك في الحوكمة الفنية والإدارة؟

قدوتي هو معالي المستشار تركي آل الشيخ، أحد عرّابي حركة النهضة الفنية في المملكة.

أثبت أن الإدارة ليست قرارات من خلف المكاتب، بل رؤية تُصاغ في الميدان، وتُختبر في الواقع.

يُجسّد الحوكمة الحقيقية: التخطيط، المتابعة، المساءلة، والإنجاز.

أعجب به لأنه جمع بين فكر القائد وذوق الفنان، بين صرامة الهيكل الإداري ومرونة الفكرة الإبداعية.

رجل يُطلق الطاقات، ويوجهها، ويخلق من التنوع وحدة، ومن الزخم نظامًا.

لهذا أؤمن أن المسار الذي يسير عليه، هو طريق نجاح حقيقي… لا يُبنى على المجاملات، بل على معايير، وعلى إيمان بأن الفن لا يرتقي إلا إذا احترمنا آلياته، واحتضنّا مواهبه، وأحسنا إدارة موارده.

خاتمة

هكذا يبدو عبدالإله الفالح: منتج لا يقف خلف الكاميرا فقط، بل خلف كل فكرة تؤمن بالتأثير، وتُراهن على التغيير.

في زمن السرعة، هو رجل يختار البطء العميق… لأن ما يُزرع في التمهّل، هو ما يبقى في الذاكرة.

زر الذهاب إلى الأعلى