مقال بقلم الكاتبة / هدى المطيري بعنوان ((الشعثة من الحجاز إلى العالم: قصة توثيق وتراث سعودي مُعترف به دوليًا ))

ما أجمل أن يتحوّل تراثنا الغذائي إلى قصة تُروى للعالم! ففي كل طبقٍ قديم حكاية، وفي كل نكهة تراثية ذاكرة تستحق أن تُحفظ للأجيال القادمة. ومن هنا يبرز الدور العظيم الذي تقوم به منظمة Slow Food العالمية، وهي منظمة تعمل بشغف لحماية الأطعمة التقليدية وتعزيز قيمة التنوع الغذائي الذي يشكّل هوية الشعوب وثقافتها العميقة. ومن خلال مشروعها العالمي المعروف باسم Ark of Taste – سفينة التذوّق، توثّق المنظمة المنتجات الغذائية المهددة بالاندثار وتمنحها اعترافًا دوليًا يليق بتاريخها؛ فالمشروع لا يجمع وصفات فقط، بل يجمع ذاكرة شعوب ويمدّ الجسور بين الماضي والمستقبل ليحفظ للأطعمة أصالتها ويعيد للتراث مكانته المستحقة.

وتنسجم هذه الرسالة مع رؤية وزارة الثقافة السعودية وجهود هيئة فنون الطهي التي تعمل على إبراز المطبخ السعودي باعتباره أحد روافد الهوية الوطنية. فالمطبخ السعودي مليء بالقصص والأطباق التي تحمل روح المكان وتاريخ الإنسان، وإحياؤها وتوثيقها يمثلان جزءًا أساسيًا من مشروع صون التراث الثقافي غير المادي للمملكة.

وفي هذا السياق يأتي إنجازي في توثيق طبق الشعثة واعتماد اسمي رسميًا ضمن سفينة التذوّق التابعة لمنظمة Slow Food؛ فهذا الإنجاز ليس مجرد توثيق لوصفة، بل هو اعتراف عالمي بنكهة سعودية أصيلة عاشت في بيوت مكة والمدينة لسنوات طويلة، ومساهمة في حفظ طبق مهدد بالاندثار ودعمًا لرؤية المملكة في إبراز هويتها الثقافية وإيصال نكهاتها التراثية إلى العالم.

وتحمل الشعثة نكهة الماضي وروح حياة البدو الذين اعتمدوا على السمن البري ولبن الأغنام المجفف والتمر، وكانت من الأطباق التي تُحضّر في الأيام الباردة والمناسبات. وتعتمد الشعثة على مكونات بسيطة لكنها غنية بالمذاق والقيمة الغذائية؛ فهي تجمع بين التمر، رمز الوفرة والطاقة في حياة أهل الحجاز، والسمن البري الذي يمنح الطبق رائحة أصيلة تعكس عمق المطبخ القديم، والأقط (البِقْل) وهو لبن الغنم المجفف الذي شكل عنصرًا أساسيًا في غذاء البيئات البدوية والحجازية، ويضيف للشعثة توازنًا في النكهة وعمقًا يعكس أصالة الحياة الغذائية القديمة. ورغم بساطة هذه المكونات، إلا أنها تحمل تاريخًا طويلاً من الذاكرة الشعبية وتشكل جزءًا من هوية المكان الذي نشأت فيه.

ها أنا اليوم أحتفي بإنجازي في توثيق طبق الشعثة واعتماد اسمي ضمن قائمة سفينة التذوّق العالمية، وهو اعتراف يفتح لهذا الطبق التراثي أبواب العالم ويضع المطبخ السعودي في مكانته المستحقة بين تراث الشعوب الغذائية. ويأتي هذا الإنجاز مواكبًا لجهود وزارة الثقافة وهيئة فنون الطهي في صون الموروث السعودي، وحفظ الوصفات التقليدية، وتمكين الهوية الغذائية للمملكة على الساحة الدولية.

إن مساهمتي في هذا التوثيق ليست مجرد عمل فردي، بل هي امتداد لرؤية وطن يسعى لحماية تراثه وإبراز قيمته وتعزيز حضوره الثقافي عالميًا. ومع كل خطوة في هذا الطريق، يتأكد لي أن التراث — مهما بدا بسيطًا — يصبح ذا أثر عظيم حين يجد من يمنحه الحياة من جديد ويقدم حكاياته للعالم بروح سعودية أصيلة ودعم مؤسسي يعكس عمق هذا الإرث وامتداده

زر الذهاب إلى الأعلى