أخر الأخبار

‹‹ترانيم صامتة›› معرض تشكيلي لفنان استرالي في الرياض

انطلق الثلاثاء الماضي، معرض “ترانيم صامتة” للفنان التشكيلي الأسترالي ريمون شويتي، ينظمه جاليري نايلة، في مدينة الرياض ويستمر لمدة خمسة أيام من الساعة 10صباحاً وحتى الساعة 10مساءاً، ويقدم فيه 50 عملاً فنياً، بأساليب فنية متنوعة.

ويحلق المعرض عبر ثقافات مختلفة، أخذ على عاتقه فيه ريمون شويتي سبر أغوار عوالم فاتنة ومشعة، تتلألأ هذه المرة في صيرورة فنية تتواءم مع ماهية الابداع في قفزة تجريدية غريبة بعض الشيء، لكنها شيقة ورائدة، حيث يتلمس الغموض ويمسك به بيديه، يهدمه ويعيد تشكيله بطريقة صادمة لأول وهلة، لكن سرعان ما يكتشف الزائر أنه الصدمة، حين تبتلعه الأبعاد الذائبة في محيط تجريدي مبهر، مع تشكيلة من الألوان التي تناسب هذه القفزة الاستثنائية.

قدم شويتي لوحاته الجديدة بعد أن حاول جاهداً اقتلاع كل جذوره السابقة في عالم الرسم ووضع بذوراً جديدة في بستان بعيد عن مساره السابق، ومعلناً في الوقت نفسه عن مقدرته كفنان قادر على خلق صور الابداع المتجدد الذي لا يتوانى عن الانطلاق دائماً نحو المجهول، ونحو طرق أبواب الصمت حتى تتسابق أشعتها نحو السماء، رامياً كل جهده على أرض وفضاءات، ربما لم يتطرق لها أحد. ففي مجموعته أضاف الى مسيرته شلالاً صاف من التعابير رغم لغته البسيطة، وتراتيله الصامتة التي تصرخ فور أن تدخل اقدامك الى أرض المعرض، حيث سرعان ما يشدك حالة الانبهار والانجذاب نحو تلك اللوحات التي تتحدث بلغة صوفية وفلسفية في آن واحد.

يقدم الفنان في لوحاته لغة مبهمة، شديدة الوضوح، لأنها تلمس العمق الغائب، ولحظة اكتشاف للمتلقي يصبح فيها هو اللوحة، وليس العكس، فالدلالة في اللوحة هي دلالة المشاهد المنزوية في أعماق النفس، وليست الدلالة في اللوحة فقط.

هكذا فعل الفنان ريمون شويتي في هذه المجموعة الناطقة بلساننا وبلغة نفهمها ونستوعبها، فأغلب اللوحات تمدّ يدها للمتلقي وتأخذه في رحلة مبهرة، يرحل عبر خطوطها المرسومة بدقة، وأبعادها الهندسية التي تعيد رسم دهاليز الروح، وكهوف النفس، وتلمس مسارات كونية تعكس قلقنا وأملنا وعقولنا المشتبكة مع الوجود.

مغامرة محسوبة بنفس هندسي شاعري، ترى الفن متجرداً من تنميقه، وصاعداً بنا نحو بلاغة الروح. وليس غريباً بالمحصلة أن يكون هذا المعرض المبتكر تحت عنوان “ترانيم صامتة” كي يصبح العنوان استكمالاً لفرادة المشهد واستثنائيته.

هذا المعرض الجديد للفنان شويتي هو ليس محطة من محطاته، إنما يبدو أنه عالم جديد قائم بذاته، أو مدينة أزلية كل لوحة فيها تشكل قرية من قرى تلك المدينة الهائلة بأبعادها وجمالياتها ومضامينها. وأجمل ما في هذه اللوحات، أنها حين اقتناءها، ستتحول مع الوقت، ومع تأملها والحوار معها، ستكبر كل لوحة وتصبح مدينة جديدة، قائمة بذاتها، تزرع جذورها لمجموعات أخرى في ذهن الفنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى