الاختلاف بالرأي من الأمور الطبيعية في حياتنا،
ولكن ثقافة حرية الفكر والتعبير، تفرض على كل مسلم احترام آراء وأفكار المختلفين معه والمعارضين له، فالاختلاف بين البشر سنة إلهية وطبيعة بشرية.. يقول القرآن الكريم في شأن البشر وما بينهم من اختلافات: «ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك».
وكذلك الاختلاف في الشكل واللون والبنى الجسمية والعادات والتقاليد وفي المعتقدات الدينية وغير الدينية، وتؤكد الكتب السماوية المنزلة من الله خالق البشر على ذلك (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة) آية قرانية .
ولكن بالرغم من ذلك إلا ان كثيرا من الناس لا يقبل الاختلاف بروح ايجابية لأسباب متعدده أهمها الاعتقاد الخاطئ بتفوق جنس على آخر، كالجنس الابيض على الاسود، أو الخيرية العقائدية واحتكار الخيرية وحصرها في معتقد أو دين واحد دون الاديان الأخرى، وهذا من اهم عوامل الصراعات والحروب التي شهدتها وعانت منها البشرية على مر العصور، بالرغم من ان مصدر الاديان واحد ورسالات الانبياء تدعو لفكرة واحدة وإلى هدف واحد وهو ضبط وتنظيم سلوك الانسان تجاه نفسه وتجاه خالقه وتجاه الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي اليه.
لقد جعل الله من الاختلاف سببا للتعارف والتكامل والتميز بين الامم والشعوب وعاملا لتعزيز العلاقات وتقويتها وليس للتعصب والصراعات والقتل (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم).
الاختلاف بالرأي والمعتقد يعكس ظواهر انسانية ايجابية ومتحضرة لانها نتاج تجارب شخصية ومجتمعية كونت منظورا خاصا حول موضع ما، ويختلف هذا المنظور من شخص لآخر، وعندما يتم احترام ذلك الاختلاف فإن الصورة الكلية الإيجابية تكتمل بشكل ناصع ونافع للاشخاص والمجتمعات.
إن أهم مظاهر احترام الآراء هو التزام الشخص بآداب الحديث وتجنب التعصب والاستهزاء والسخرية أو التهميش وعدم الاهتمام بآراء الاخرين، كما أن من اهم مظاهر الاحترام أن يكون النقد موجها للرأي (الفكرة) وليس للشخص المتحدث الذي يطرح الرأي حتى لا يكون الموضوع متعلقا بالجانب الشخصي للمتحدث.
وغالبا تكون نتيجة الحوار هي إما أن تقنع الآخرين بما لديك من رأي أو أن ينتهي النقاش بشكل ودي وبكل احترام (الاختلاف بالرأي لايفسد للود قضية).
إن من أهم الآثار السلبية لعدم احترام آراء الآخرين هي قضية الفوقية على الآخرين التي تسبب الكثير من المشاكل ومنها الحالات النفسية للآخرين، وهذا مبدأ مهم في علم التواصل الاجتماعي وعلى مختلف المستويات، منها التواصل الاسري والتواصل مع العمال في حقول عملهم وكذلك مع صغار الموظفين في القطاعين العام والخاص وايضا الاهم مع طلبة المدارس والمعاهد والجامعات من معلميهم واساتذتهم، ويؤدي هذا الاسلوب القاسي على النفس البشرية إلى خلق فجوات اجتماعيه بين مكونات الاسرة والعائلة والمجتمع ككل.
ليس هذا فقط، بل تنطبق هذه النظرية ايضا على العلاقة بين الحكام والمحكومين في الانظمة السياسية المختلفة، وكذلك على العلاقات الدولية، فالاستعلاء الذي تمارسه الدول الكبرى وصاحبة النفوذ والقوة على الدول الصغرى والضعيفة، تخلق من الاخيرة مجتمعات عدائية للدول الاكبر والاقوى وتصبح مصدرا لعدم الاستقرار والأمن بكافة محاوره وأشكاله.
لا بد من التأكيد هنا بأن الاختلافات وليس” الخلافات” بكافة اشكالها أمر طبيعي ومن سمات البشر الفكرية والشكلية، ولها دور ايجابي في تطوير وتحضر الشخصية الانسانية التي هي حجر الأساس واللبنة الاولى في بناء مجتمعات وحضارات انسانية راقية متقدمة ومتطورة بجهد انساني عالمي، ومجتمعات متكافلة ومبدعة في ترسيخ السلوك الايجابي والارتقاء بفن العيش للانسان الذي يتقبل الآخر والاختلاف واحترام الآراء.