أضحت النِعم تتلون وتأخذ أشكالًا من النِقم على حياة الفرد المعاصر، هكذا هي وفرة المعلومات على شبكة الانترنت.
في السابق كانت الكتب والمؤلفات لا تُنشر لأي طرحٍ وقلم، أما الآن الجميع أصبح ينشر ويشارك، وللكل الحق في الطرح والكشف عن أرائِه، وإن لم تكن مُدعمة ببحوث قوية ومصادر ثابته.
تدخل محرك البحث لِتفتش عما تجهله، فتجد نفسك مُلقًا وسط جم هائل من المعلومات، وبين مصادر متعددة قد تنفعك، وأراء شخصية قد تضلك، تحولت المشكلة من نقص في المعلومات إلى مشكلة في وفرة المعلومات وتعددها.
مثل مسألة هل الأرض كروية أم مسطحة تجد الجميع يخوض بهذا الشأن وكأنه عالِم زامل أثله العلم والعلماء، ولست أكتب بغاية الحط من شأنهم وشأن أي باحث، ولكن للعلم أهله.
كثرة المعلومات باتت مشكلة في عصرنا حيث أنها أثرت على الفرد نفسه، جعلت البعض يُسلم بأول نتيجة بحث تظهر له وكأنها العلم اليقين الذي لا شك فيه، ولعلك صادفت أحدهم وسبق أن خضت معه حديثًا عارضك الرأي فيه، مستخدمًا سلاحه المهترئ تلك المعلومة التي طبعها في ذهنه فور قراءتها دون تكبد عناء البحث عن مصادر أخرى يتأكد بها من صحة أول ما قرأ.
يكفي المعلومات السريعة الجاهزة أنها لا تُطلق عقل المفكر المتعطش للمزيد لديك، فما أن تجد غايتك ستتحول مباشرة لأحد مواقع التواصل لترجع لمتابعيك وعالمك، على خلاف الكتب التي تشدك فترة أطول وتدفعك لالتقاط قلم وتدوين الملاحظات، كما لن يُضللك مؤلفها بتداخل المعلومات كما تفعل محركات البحث المُبرمجة على نقلك من موضوع لأخر أحيانًا.
لا أشجع التوجه للكتب الورقية فحسب، فتنوع المصادر يدعم بحثك ويجعل منك مُلمًا لا يخفى عليه شأن، ولكن تأكد من مصدرك، وتخير سُبل بحثك، فالانتقائية بهذا الخصوص مطلب لا بد منه.