انتشر منذ أيام مقال لكاتبة بعنوان ” إنهم يتكاثرون فلنتخلص منهم”
طرحت فيه ظاهريًا حلين للتخلص من كبار السن إما باستخدام الموت الرحيم أو بإشعارهم بعدم قيمتهم، وكأنها ترى أن انتهاء خدماتهم يعني بالضرورة انهاء حياتهم، لأنهم يشكلون عبء على المجتمع كونهم الشريحة الأكبر، لكن حقيقة رأي الكاتبة كانت خلاف جُل ما كتبته في البداية، ولم ولن يتضح ذلك إلا في منتصف المقال.
وأعترف أني مثل بقية القُراء والمتلقين الآخرين تلقيته في بادئ الأمر بعقل القارئ الجاهز الذي يكتفي بالبدايات والمقتطفات الجاهزة، ولا يبحث عن النص الأصلي ومصدره، ولا يقرأ قراءة تحليلية خاتمًا النص الذي بين يديه، حتى أني كنت بصدد كتابة مقال للرد عليها، كما اعتمدت عنوان مقالي بنفس عنوان مقالها، لكن مع استهداف فئة أخرى أتقصد بها من لا رحمة بقلوبهم.
فبحثت عن المقال من المصدر نفسه، وأثناء قراءتي شعرت بالقليل من السخرية بأسلوب الكاتبة مما زادني تشوقًا لقراءة بقية الأسطر، فقرأته لأخر حرف، وأخر نقطة خَتمتْ بها الكاتبة، لأُزيل بقراءتي المكتملة غمامة النقص في الفهم والإدراك، وأن الكاتبة ما وظفت إلا أسلوب من أساليب الكتابة الأدبية الفنية، وأن العنوان ما هو إلا أحد أهم مهارات كتابة المقال.
هذا ما تفعله النصوص الناقصة، والمقتطفات التي تتقصد نشرها منصات التواصل، تجعل من عقولنا جاهزة للاستقبال المباشر دون التحري والبحث عن المصدر كاملًا، حيث أن الكثير يقع ضحية مقاطع يُقتص منها عبارات وجمل تُحِدث جلبة تخلق كراهية
وعداوات لكونها ناقصة، وهذا ما وقع بالضبط مع كاتبة المقال، حيث أن كثير من ضحايا المقاطع والنصوص الناقصة الذين لا يكلفون أنفسهم بمَهمة البحث والتقصي أخذوا بسبها والدعاء عليها وتعيبيها بسِنها وغيره.
الافتقار لطبيعة الباحث تتسبب بوضع صاحبها في دائرة الجهل مهما كان مُتعلمًا ومعه من شهادات، فمن يُسلم بالمعلومات والأخبار الجاهزة، والمقاطع المقصوصة، والنصوص الناقصة، دون التحري هو كالذي ينهل علم الفيزياء من معلم الرسم يبقى جاهلًا في هذا العلم مهما عرف عنه، هكذا هو الأخذ والتسليم مع التصديق بما ينشره أصحاب الحسابات والمواقع، فمن غير البحث والأخذ من المصدر لن تعرف العلم اليقين أبدًا.
لنحرص على أن نبحث ونقرأ ونشاهد من المصدر للنهاية، وألا نكتفي بالنواقص.