مساء السبت ٣ / أبريل احتفلت وزارة السياحة والآثار المصرية احتفالية عالمية ،في موكب مهيب ومسيرة ملكية والمحتفى بهم ٢٢ مومياء( جثث محنطة) !! زفة تشريفية لأموات ملكات وملوك فراعنة عمرهم الزمني أكثر من ٣ آلاف سنة قبل الميلاد،عاشوا و سادوا لقرون طويلة ، وبنوا حضارة عريقة كانت زاهرة مزدهرة، اندثرت بيوتهم وقراهم بالكامل ، وبقت قبور ملوكهم ترقد فيها أجسادهم وتحوي كنوزهم من الخبيئات النادرة وطلاسم أسرار حياتهم ، لم تترك أُمَّة من الأمم القديمة أثر كما تركت الأمة الفرعونية ولم يتعرف العالم في العصر الحديث على حضارة أُمَّة كما تعرف على حضارة الأمة الفرعونية، إن الحضارة الفرعونية حضارة ترف وبذخ ورغم ما اعتراها من تدمير على مر العصور السابقة بقي منها الكثير من المعالم الشاهدة على تلك الحضارة ، لم يقوضها الزمن، الفراعنة قوم كانوا يؤمنون بالحياة الأبدية والحرية في سماء العالم الآخر بعد الموت !! ولذلك كانت رحلة الموت لِعِلْيَة القوم منهم تبدأ بالتحنيط للجسد في معابد جنائزية لأن حياتهم ارتبطت بالسحر وطقوسه فلا تكتمل الرحلة للعالم الآخر إلا بالتمائم والتعويذات السحرية ، وتنقل بعد ذلك إلى مكان حصين ( الهرم) ، ذلك البناء الحجري الذي أدرج من عجائب الدنيا السبعة ،يرقد فيه الملوك ( مومياوات) وتوضع معهم الخبيئات من الكنوز النادرة ، وترافقهم المؤن اللازمة لمقومات الحياة لاجتياز رحلة العبور إلى العالم الآخر كما كانوا يظنون!!فهناك قرابين الطعام من عسل وتمر وخبز وسمك وفواكه، وأدوات التجميل و الزينة من عطور وزيوت وبخور وملابس وأقمشة ، والأثاث من سرير وكرسي وأغراض الحماية والدفاع عن النفس الفأس و القوس والسهم والخنجر ،ووسائل المواصلات من عربات وقوارب،ووصل بهم الحال حتى المرحاض يرافق الميت! وكأن حال ألسنتهم تقول ( أنا مُتأهب ومُستعد لرحلة الحياة الجديدة بعد الموت ، لن تكون هُناك عثرات ولا أخطار ،أنا مسيطر على الوضع مبسوط وتمام التمام !!)الأمَّة الفرعونية كانت تعبد الآلهة ويقول المؤرخون أن عددها يتجاوز ٢٨٠٠ آلهة ،ولقد أرسل الله سبحانه وتعالى إلى الأُمَّة الفرعونية رُسلاً وأنبياء تدعوهم لتوحيد الله حالهم حال غيرهم من الأمم السابقة ، فمنهم من صدق وآمن ومنهم من كذب وكفر ،و كان أحد أشهر ملوكهم الذي صوره القصص القرآني فرعون الطاغية ذو الجبروت مدعي الألوهية على شعبه ، قال تعالى :(فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ)( الآية٢٤- سورة النازعات )
أرسل الله عز وجل لهذا الفرعون نبيين في نفس الوقت موسى وهارون عليهما السلام ،وكانت صفات فرعون وقومه مستكبرين مجرمين ظالمين ومتعالين ومسرفين ، هكذا صورهم القرآن الكريم فكانت أمة أهلك الله منها الطغاة المستبدين ومن تبعهم، وبقت أجسادهم عظة وعبرة على مر العصور ، قال تعالى (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)(الآية ٩٢- سورة يونس)
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول وجود جسد فرعون ،وتفسير الآية السابقة على عدة أوجه عند علماء الدين وعلماء الآثار حيث فريق منهم يؤيد رأي أن جسد فرعون موجود في المتحف المصري والفريق الآخر يرى أن جسد فرعون غير موجود ولا يمكن التعرف عليه ، لأنه لم يذكر اسمه في الكتب السماوية ، لكن الآية القرآنية السابقة تتحدث عن نجاة وخلود جسد فرعون بعد الغرق حتى يكون عبرة لمن خلفه من الناس ،ونحن في هذا العصر نشاهد مجموعة من جثث الأمَّة الفرعونية سواء كان فرعون من ضمن المومياوات أم لا ،لكن مما لاشك فيه أن بقاء تلك الأجساد ماثلة للعيان من آلاف السنين له من الحكمة والأسرار ما الله به عليم ،لقد استعدت وزارة السياحة والآثار المصرية لهذا الحدث واحتفت بالملوك الأموات احتفاء الملوك الأحياء استعداد مكلف وتدابير أمنية أُغلقت بعض الشوارع أثناء عبور الموكب الملكي الجنائزي ، ورافق الزفة عروض موسيقية وضوئية ودرجات نارية وحضر الحفل شخصيات دولية من أنحاء مختلفة من العالم وحُملت (الملوك والملكات )المومياوات على حوامل من معدن تم تصنيعها في أمريكا ووضعت في كبسولات معزولة مملوءة بالنيتروجين لحمايتها من التلف ، في عربات تجرها الخيول مزينة برسومات فرعونية ، مع حراسة أمنية مشددة !! فهم الأموات الأغلى ثمن في هذا العصر ،لأنهم من أهم روافد دعم الاقتصاد المصري ، فكانت مسيرة الزفة من مقر وجود المومياوات في المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية الجديد، فكان حدث ثقافي تسويقي نقلته أكثر من ٤٠٠ قناة تلفزيونية و سلطت الضوء عليه وسائل التواصل الاجتماعي ، كانت احتفالية ترويجية الهدف منها تنشيط السياحة وجذب أنظار السياح لمصر كأحد أهم الواجهات السياحية الثرية الزاخرة وتعزيز مكانة مصر سياحياً ، على أمل تنشيط حركة السياحة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة ، إن الحال مع أموات الفراعنة استثنائي لم يذهبوا إلى عالمهم الأبدي ( انهض إنك لست بالميت ) كما زعموا ذهبوا من خبيئة الدير البحري و وادي الملوك مقرهم الأصلي إلى متحف ثم إلى متحف آخر جثث محنطة ، بلا حراك بلا كنوز فكنوزهم ودفائنهم سبقتهم ، وهُناك ماتم السطو عليه وسرقته على مر العصور السابقة وتوزع في متاحف عواصم العالم، الفراعنة من الأمم التي صنعت حضارة أدهشت و حيرت كل من شاهدها وبقت عظة وعبرة وأرثاً ثقافياً يؤرخ لتاريخ فترة زمنية سحيقة، وعندما يشاهد الزائر للمتحف المصري تلك الكنوز وجثث أصحابها يستشعر حقيقة الفناء الموت نهاية الحياة ، ماتوا وتركوا كل هذه الثروات والكنوز والنفائس التي لا تقدر بثمن ، هي الدنيا !لم يعودوا للحياة كما زعموا لم يكسروا الموت ولم تهب لهم الحياة الجديدة .
بقت الأجساد مسجاة
بقت الأهرام شامخة
بقت القرابين صامدة
بقت الكنوز شاهدة
الميت لن يحييه إلا خالقه الله عز وجل ،الفراعنة أجساد مخشبة لا روح فيها ،أمة أثرهم عظة وعبره وتذكرة لمن غرته الحياة الدنيا .
اللهم نفعاً في الأرض وقبولاً في السماء
الكاتبة / فاطمة العديساني