أخر الأخبار

سعودية التراث وأصالة فرسان وجنة المانجروف 

في بحرها الخلاب الذي احتضن مجموعة من الجزر المتناثرة ، كاللؤلؤ الذي يبتهج بها التاجر ، وتأسره بريقها . إنها فرسان وهي في أحضان البحر الأحمر مترامية هنا وهناك . 

بعد موافقة امارة منطقة جازان لتسهيل المهمة الصحفية لتغطية المعالم التراثية والأثرية في جزيرة (فرسان) . توجه فريق (سعودية التراث) من صحيفة الساحات العربية المكون من الإعلاميات ندى البليهي، مها الشمري ، مضاوي الشايقي ، مها الرميح ، سعاد الرميح . إلى جزيرة فرسان عن طريق العبارة من ميناء جيزان صباح يوم الثلاثاء الموافق 13/1/1442هـ . في رحلة استكشافية عن آثار وتراث جزيرة فرسان . وكان في استقبالهم مشكوراً المرشد السياحي الفاضل الاستاذ عبد الله رفاعي الذي توجها بالجمال أثناء الزيارة .

في بداية هذه المادة الإعلامية نود إلقاء نظرة بسيطة عن موقعها الجغرافي تشكل جزيرة فرسان والمجموعة التابعة لها أرخبيلاً من الجزر المتناثرة المتقاربة تقع في الطرف الجنوبي الشرقي للبحر الأحمر وعلى بعد خمسين كيلو متر إلى الجنوب الغربي من مدينة جيزان في مملكتنا العربية السعودية ، وعلى بعد يزيد قليلاً عن مائة كيلو تقريباً عن الساحل الغربي للبحر الأحمر والمطل على البر الأفريقي حيث تقابلها على ذلك الجانب جزائر (( دهلك )) ذوات الشواطئ الغنية بمصايد (( اللؤلؤ)) والتي كانت في يوم من الأيام مصدراً من مصادر الرزق لسكان جزائر فرسان وجيزان وكذلك سكان المدن الساحلية اليمنية ، حيث يزاولون مهنة الغوص بحثاً عن اللآلئ في المصايد الواقعة بالقرب من شواطئ تلك الجزر ، كما يزاولونه على شواطئ فرسان نفسها والتي ما تزال غنية بمزارع المحار الطبيعية حتى يومنا هذا .

ونجد أن جزر فرسان تغلب على أرضها الشعاب المرجانية والقواقع والكائنات البحرية المتحجرة ، وذلك ما يدل بوضوح على أن هذه الجزر كانت حتى عهد قريب مغمورة تحت مياه البحر ، وأن عمرها الجيولوجي عمر حديث .
وشكل جزيرة فرسان يميل إلى الطول وامتدادها يأتي من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي ويغلب عليها الانحناء إلى الجنوب وتحيط بها مجموعة من الجزر الأخرى أكبرها جزيرة (السجيد ) أو فرسان الصغرى كما هو معروف جغرافياً . هذه الجزيرة يفصل بينها وبين فرسان الكبرى ممر مائي لايزيد عرضه عن ثلاثمائة متر ، ويسميه الفرسانيون (( المعادي )) لأن الجمال تستطيع أن تعدو منه عندما ينتقل الأهلون من ((السجيد)) وإليها ويتم ذلك في حالة الجزر البحري .
ويبلغ طول جزيرة فرسان من جنوبها الشرقي إلى نهايتها في شمالها الغربي حوالي خمسة وسبعين كيلومتراً أما متوسط عرضها يبلغ حوالي ثلاثين كيلومتراً .
أما عن سبب تسمية فرسان هناك آراء مختلفة القسم الأول من هذه الآراء يقال أن اسم فرسان مكون من جزئين الجزء الأول (فر ) والجزء الثاني (سان) وترجع أن في المملكة الساسانية كان هناك شخص يدعى (سان) (فر) من المملكة. القسم الثاني وهو الأرجح نسبة إلى اسم شخص يدعى (فرسان بن عوف بن عمران) وهو من قبيلة تغلبية . (والعلم عند الله )

المسجد النجدي 

في اليوم الأول من الزيارة التي تقرر مدتها يومان كان التوجه لأول معلم تمت زيارته هو المسجد النجدي، الذي بني في العام 1347 هـ على نفقة تاجر اللؤلؤ الشيخ إبراهيم النجدي التميمي الذي قدم من نجد ((حوطة بني تميم )) على وجه الخصوص وقد عاصر هذا الرجل الحكم السعودي إلى فرسان وقام بالتعرف على الجنود وإكرامهم

من بينهم الرؤساء وأعيان البلدة ، وأصبح من التجار المعروفين في الجزيرة ومسجده الذي يعتبر معلماً بارزاً في فرسان يشهد له بالثراء ، حيث تم تشييده من الحجارة بسمك 65 سم وارتفاع 120 سم .ويوجد في منتصف سطح قاعة المسجد 21 قبة صغيرة وكذلك تميز من الداخل بالقبب المزخرفة ومنبر ومحراب يعلوهما زخارف هندسية بأشكال غريبة ومختلفة تبهر الناظر ذكر لنا أنها جلبت من الهند . إلى جانب المسجد توجهنا مشياً على الأقدام لمشاهدة منزل الشيخ ابراهيم النجدي تاجر اللؤلؤ الذي تزين بزخارف مقوسة لا تبتعد في جمالها عن زخارف المسجد ، رغم مرور الأزمنة عليه . كما تم استخدامه كمدرسة قبل 80 سنة تقريباُ .
محمية الغزلان

بعد الانتهاء من زيارة المسجد النجدي تم التوجه إلى محمية الغزلان مع المرشد الأستاذ الفاضل عبد الله رفاعي . حيث تعد هذه المحمية من أكبر المحميات الزاخرة بالحيوانات المهددة بالانقراض ومن أهمها الغزلان ، التي لم يحدد صنفها تحديداً دقيقاً ، ولكن يرجح بأنه صنف الغزال العربي الأدمي المُلقّب بالغزال الفرساني، وتضم المحمية النمس الأبيض الذّنب، والقوارض، والسلاحف، والدلافين، والشعاب المرجانية، إضافة إلى العقاب النساري، والبجع الرمادي، والنورس القاتم، ومالك الحزين، وصقر الغروب، وغيرها من الطيور المائية والشاطئية والمهاجرة.

قرية القصار  

بعد الانتهاء من زيارة المحمية وصعوبة التقاط الصور للغزلان السريعة ، تم التوجه إلى قرية القصار بالشدة على الصاد وهي من القرى التابعة لفرسان ، التي كانت مصيف الفرسانيين وتبعد خمسة كيلومترات نحو الجنوب لا يسكنها أحد إلا في أيام الصيف حيث ينتقل إليها معظم الناس لقضاء موسم الرطب من ناحية وهو موسم يمتد قرابة ثلاثة شهور ، وبسبب عذوبة مائها وقربه من سطح الأرض من ناحية أخرى . بها منطقة (الكدمي) الأثرية ، وبالقرب منها قلعة لقمان .

وأثناء التجول في القرية لاحظنا أن الأرض فرشت بالقواقع فلما تم طرح السؤال على مرشدنا الفاضل عبد الله رفاعي أجاب أنه يطلق عليها ،( البطاح ) وأهالي المنطقة كانوا يستخدمونها لسببين ، السبب الأول أنها كانت تضئ البيوت في الليالي القمرية . والسبب الثاني أن أهالي المنطقة كانوا يمشون عليها حفاة وذلك لتنشيط الدورة الدموية، ولاحظنا أيضاً في أسقف بعض البيوت والمساجد أنها شيدت من نوع معين من الشجر وهو ((الدوم )) وأعواد ((المض)) لمقاومة دودة العثه . فأي هندسة هذه لم تقرأ ولم تدرس في مدارس وكليات وجامعات ولكنها مدرسة الحياة في حياة أجدادنا .

قلعة لقمان

وبعد الانتهاء من زيارة قرية القصار تم التوجه إلى قلعة لقمان ، أو جبل لقمان كما يسميه الأهالي والواقع في الجنوب الشرقي من البلدة وعلى بعد عشرة كيلومترات منها وثلاثة كيلومترات من قرية القصار اسم لا يعرف سببه ، وهو عبارة عن حجارة ضخمة متهدمة تدل على أنها أنقاض قلعة قديمة بنيت على مرتفع يطل على السواحل الشرقية والجنوبية والغربية للجزيرة ، وتطل على أنقاض تقع في الجنوب منها على بعد اثنين كيلو تقريباً تدل على أن قريتين كانتا موجودتين بالقرب منها .

إن أثر بناء هذه القلعة مازال واضحاً وبطريقة تدعوا إلى الدهشة في كيفية رفع تلك الحجارة الضخمة التي لا يعرف لها تاريخ ولا تتوفر عنها أية معلومات .

متحف الزيلعي

 ثم بعد ذلك تم التوجه إلى متحف الزيلعي والالتقاء بمؤسسه زيلعي محمد داوود الواقع في منزله ، وهو أشهر المتاحف الخاصة و يتردد عليه عدد كبير من الزوار. ويحتوي على آلاف القطع البحرية المتنوعة و المثيرة مثل الأصداف مختلفة الأشكال و الألوان و الأحجام ، و الأحياء البحرية المتنوعة كما يوجد هيكل لحوت طوله ستة عشر متراً ، كما يحتوي عدد من السلاحف مختلفة الأحجام و أسماك متنوعة الأشكال .

متحف المؤرخ ابراهيم مفتاح

توجهنا إلى متحف “مفتاح” وكان في استقبالنا المؤرخ الفاضل صاحب المتحف الأستاذ ابراهيم مفتاح الذي تفضل مشكوراً بالحديث عن فرسان حيث ذكر لنا أن عدد جزرها يبلغ 262 جزيرة ، وضم المتحف على العديد من آثار الجزيرة القديمة التي يبرز منها صورة لحجر منحوت اكتشفته الباحثة الفرنسية سولين والذي يعود تاريخه لأكثر من ألفي عام . ويحتفظ مؤرخ فرسان إبراهيم مفتاح بعيّنات لآثار فرسان ، التي ظل يجمعها على مدى خمسة وستين عام ، ليشكل في منزله متحف بديكورات جصية متميزة تحكي عبق فرسان ، كما يقدم المتحف لمحبي التراث والباحثين العديد من الآثار للحياة القديمة في فرسان منها أدوات تصفية اللؤلؤ والميزان الخاص به ، وميزان للأحجار الكريمة ، فضلًا عن أوانٍ أثرية متنوعة وأزياء قديمة . إلى جانب عملة حميرية مكتوب عليها بخط مسند جنوبي حميري ويعود تاريخها كذلك إلى نحو ألفي عام ،وأشار إلى صورة لحجر عليه كتابات باللاتينية القديمة يعود تاريخه إلى عام 120م ، لافتًا النظر إلى أحد الحجارة المنقوش عليها ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” ويعود تاريخها وفقا لعلماء الآثار الذين زاروا فرسان إلى القرن الرابع الهجري ، وإلى جانب الآثار الحميرية والرومانية وآثار العهد الإسلامي فإن متحف إبراهيم مفتاح يضم كذلك مخطوطات يعود أقدمها إلى العام 1256هـ . فيما أصبح هذا المتحف وجهة لزوار جزيرة فرسان من المسؤولين والباحثين والسياح على حد سواء .

وفي الصباح الباكر من اليوم الثاني لزيارة فرسان ، توجهنا مع ابن فرسان البار المرشد السياحي الأستاذ عبد الله رفاعي إلى (( السجيد )) فرسان الصغرى.

فرسان الصغرى  

موقعها في الشمال الغربي من فرسان وتأتي بعدها من حيث المساحة وعدد السكان تضم مجموعة من القرى ويفصلها عن فرسان ممر مائي (( قناة )) لا يزيد عرضه عن ثلاثمائة متر كما لا يزيد عمقه عن ثلاثة أمتار ، حيث يوجد بها جسر “المعادي” أول جسر بحري في السعودية ، إذ أُنشئ في عام 1406ه/، 1985م، وتم تنفيذه عن طريق شركة يونانية ، ليربط بين فرسان الكبرى وفرسان الصغرى، ويمتد طوله لقرابة نصف كيلو ، وأرض هذه الجزيرة منبسطة تزينت سواحلها بأشجار النخيل ، تتخذ منتجعاً أيام الصيف ويتم الانتقال إليها على ظهور الجمال في مسافة تقدر بحوال 35 كيلومتراً . وكان في السابق هذا الممر تعبره الجمال محملة بالأمتعة والنساء والأطفال . 

مطل الملح (( مكان تجميع الملح )) 

بعد الانتهاء من التقاط الصور على الجسر توجهنا إلى مطل الملح وهو مكان تجميع الملح ، في ((السجيد)) فرسان الصغرى ، ويلاحظ على الملح سطوع وبياض . 

المطل البحري (( قرية الحسين )) 

تبعد عن فرسان ثلاثون كيلومتر وسكانها قليلون يشتغل معظمهم بالزراعة في مواسم الأمطار ويقوم بعضهم بتربية الجمال التي يعتمدون عليها في معيشتهم ، وقد توجهنا إلى هذا المطل الخلاب في مرسى الصيادين ولسان الحال يقول سبحان الذي خلق فأبدع . 

بوابة بيت الرفاعي  

توقفنا عند بوابة رئيسية كبيرة وجميلة ،تتميز بنقوشها وخطوطها وزخارفها الفريدة المأخوذة من الفن الإسلامي ، وقد وضع بجانبها لوحة تحذير من الآثار بعدم التعدي عليها ، وهذه لفتة كريمة تبين مدى الاهتمام والحرص على المناطق الأثرية في جزيرة فرسان . وقد احتضنت هذه البوابة منزل أحمد بن يوسف الرفاعي الذي شيد في عام 1341 هـ في وقت ازدهار تجارة اللؤلؤ ، ويعتبر الشيخ الرفاعي رحمه الله من أشهر تجار اللؤلؤ بفرسان في ذلك الوقت ،وأهم ما يميز هذا البيت ارتفاعه الذي يصل إلى ارتفاع يقدر تقريباً ب 7أمتار وقد غطيت جدرانه من الخارج بزخارف جصيه هندسية رائعة وعقود زخرفية غائرة وقد كتبت على واجهة المجلس آيات قرآنية كريمة ويوجد في أعلى الباب من الداخل عقد مقوس نقش داخله بيت من الشعر ، والسقف مصنوع من أخشاب الجاوي المستوردة من الهند ، لامتداد تجارته حتى سواحل الهند والصين وايطاليا وبريطانيا، وكذلك الأصباغ الزيتية ، كما كتب اسم من قام بتشييد هذا المنزل واشترك في بنائه وهم علي بدر والشيخ محمد مكي محرم رحمهما الله . بالإضافة إلى جانبه يوجد بيت حسين بن يحيى الرفاعي الذي شيد عام 1344 هـ في فترة ازدهار تجارة اللؤلؤ أيضاً وتميز بالنقوش الهندسية الجميلة .

القلعة العثمانية 

تم التوجه إلى مبنى قديم يقع على تل صخري يطل على مساحة من الجزيرة ، وقد تم وضع لوحةً من الآثار مشكورةً على هذا المعلم الأثري الجميل ، وقد أسهم مشكوراً مرشدنا الفاضل الاستاذ عبد الله رفاعي عنه بأنه ، القلعة العثمانية شيدت عام 1250هـ ، حيث استخدمت كمنطقة عسكرية في القرن العشرين (( العهد العثماني )) ،وقد شهدت مناوشات بين القوات العثمانية والسكان المحليين . 

 

غابات ((القندل)) البحرية 

توجهنا إلى الفندق لأخذ قسطاً من الراحة ، وكان موعدنا مع مرشدنا المتميز الاستاذ عبد الله رفاعي بعد الظهر للتوجه إلى غابات ((القندل)) وكلنا لهفة لرؤيتها ، وهذه اللهفة لم تأتي عبثاً ، جميعنا لم تتوقف هواتفنا النقالة عن التقاط الصور وتسجيل مقاطع الفيديو ، ونحن في القارب نتجول بين أشجار ((المانجروف)) التي عرفت بها وبأصوات البجعات وأشكالها الجميلة وهي على سطح البحر، و (( القندل)) هو أرخبيل جزر فرسان الطبيعة البكر تقع في شمالها . وهي عبارة عن خليج يزدَحم بها هذا النوع من الأشجار “المانجروف” متخللاً بممرات مائية نقية يَجعل منه وجهة سياحية تستحق التجربة والاكتشاف، وقد سجلت حالياً في قائمة اليونسكو (( ماب)). 

قرية صير  

بعد التجول في هذه الجنة الخضراء ، توجهنا نحو قرية (صير) والتي امتاز أهلها بالحيوية والنشاط في بناء بيوتهم بعملية النحت ونقر الصخور والتفنن الجمالي بمنازلهم، والتي خلدت ماضي عريق وثقافة تأصلت في أهالي المنطقة . وتعتبر (صير) أكبر قرى فرسان تبعد عنها حوالي 45 كيلومتر ، ازدهرت فيها تجارة اللؤلؤ قديماً ، كما ازدهر فيها صيد الأسماك . 

وبعد هذه الجولة في هذه القرية التي تفردت بتفرد أهلها بهذا الفن المعماري الفريد ، تم التوجه إلى الفندق ليصبح فجر التالي هو موعد رحيلنا عن هذه الجزيرة ، التي حملت الأنس والسكينة والهدوء في موانيها وسواحلها ، عبر قوارب (الفلوكة) التي لم ولن ينساها الفريق ، مع كابتن ومرشد هذه الرحلة الممتعة الأستاذ الفاضل عبد الله رفاعي ، متجهين إلى ميناء جيزان ومنها إلى محافظة (الدائر ). 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى