الربان الملهم

كان اليم هادئ، والسفينة تسير على سطحه بثبات واتزان ،ومن هم على متنها ،يعمهم الارتياح ،الضحكات تتعالى ،وكل منصاع لحديث الأخر ،وفي لحظات انقلب‏ ‏ ‏النهار إلى ليل دامس ‏والضحكات إلى استنجاد بدأ البحر كوحش هائج ثائر ‏يزمجر بصوته، ‏صرخات وعويل انطلقت ولسان حالهم يقول حانت النهاية ستتخطفنا أهوال الردى ‏اضطراب جامح من قوته حطم ألواح السفينة ودسرها ‏استحوذ الهلع على الركاب فتصاعدت الصرخات في الأنحاء ‏والنداءات تتعالى ‏حتى عمت ‏ هالة من الفزع المكان ‏و سرت الرعدة ‏في أوصال الجميع وفي أثناء ‏هذا التوتر المشحون انبرى صوت ‏جهوري يوحي بجسارة صاحبه وإقدامه ‏أيها المتواجدون اصمدوا واستجمعوا قواكم‏ ولتتذكروا أن ركوب الأخطار ليس بالشيء الغريب ‏على راكبي البحار فقد اعتدنا مجابهته ‏فنحن لن نسمح لهذه الريح أن تغتال ‏أيامنا ‏وأن تنفث سمها في روح المقاومةوالمغامرة لدينا ‏لذا عليكم أن توكلوا أمركم لله عز وجل وتتقدموا ، سرت في أجسادهم ومشاعرهم الحماس والثقة ‏في شجاعة ربان سفينتهم وصلابة رأيه ، التف الجميع حوله ‏منتظرين ما يبدر منه وما يحثهم على فعله ‏لمواجهة هذا الكرب .‏نظر إليهم نظرة تحمل في معانيها الإقدام ‏فقال بنبرة الجاد ليتخذ كل من البحارة موقعه المكلف به ثم أشار بيده ‏إلى الركاب أن عودوا إلى محل إقامتكم ولا تتحركوا حتى أخبركم بذلك نفذ الجميع الأوامر توجه الربان إلى مقدمة السفينة وأمسك بدفتها ‏وأخذ يلقى التوجيهات وكأنه رسم في مخيلته خارطة معقدة لا يفهمها سواه ‏،وجه كلامه للبحارة بصوت يعلوه الإصرار ، سنبذل قصارى جهدنا للنجاة ‏أخذ الجميع يروح و يغدو وكأنهم في خلية نحل يصطدم بعضهم ببعض والريح تعصف بهم‏ وكأنها تحادثهم بصوتها الهادر‏ فمن شدتها ارتطم رأس الربان بركن السفينة فأصابه جرح عميق لكنه أخفى ألمه حتى لا يُرى فتثبط العزائم لكنه ردد في نفسه جرح سيندمل فأرداف :علينا أن نحطم جدار الطوفان الذي أحاط بنا رددها على المسامع ، بذل الجميع كل طاقتهم من عطاء وجهد و من يظن أنه يوشك أن تفتر معنوياته شد صاحبه من عضده ، تآزر الكل ساعات وساعات والقائد لا ينفك يشجع ويهون حتى انفرجت بادرة من الأمل فبدأت سحابة الظلمة تنقشع والشمس تطل على استحياء شيئا فشيئا حتى عم الكون الشروق والضياء فنجا الجميع ببسالة الشجعان وحكمة ربان ماهر وتوفيق ورحمة أنبعثت من رب عظيم رحيم أولًا وأخيرًا فله الحمد والشكر .

غزوى العتيبي ✍?

زر الذهاب إلى الأعلى