جدة _ روزان المطيري
ضمن فعاليات معرض الكتاب في جدة، شهدت إحدى الندوات الفكرية حوارًا ثريًا حمل عنوان «أنسنة المدن»، ناقش التحولات الحضرية المعاصرة، وكيف يمكن للمدن أن تتجاوز كونها فضاءات عمرانية جامدة لتصبح بيئات إنسانية نابضة بالهوية والثقافة، وقادرة على الإلهام والجذب. شارك في الندوة الدكتور نبيل علواني، وأدار الحوار الإعلامي أحمد رديني، في لقاء جمع بين العمق المعرفي والطرح الإعلامي القريب من المتلقي.
في بداية الندوة، تحدّث أحمد رديني عن مفهوم أنسنة المدن، مؤكدًا أن المدينة الحديثة لم تعد تُقاس فقط ببنيتها التحتية أو اتساع عمرانها، بل بقدرتها على بناء علاقة وجدانية مع الإنسان، علاقة تُشعره بالانتماء، وتمنحه إحساسًا حقيقيًا بالمكان. ومن هذا المنطلق، انطلق الحوار نحو تساؤل محوري حول كيفية تحويل المدينة إلى تجربة تُعاش، لا مجرد مساحة تُستخدم.
من جانبه، قدّم الدكتور نبيل علواني رؤية معمّقة حول تطوير المدن في ظل رؤية المملكة 2030، موضحًا أن الرؤية تنظر إلى التنمية العمرانية بوصفها مشروعًا ثقافيًا وهوويًا متكاملًا، لا يقتصر على التوسع الإنشائي، بل يسعى إلى إبراز تراث كل مدينة وخصوصيتها الثقافية في طرازها العمراني. وأشار إلى أن هذا التوجه ينعكس بوضوح على تصميم المنشآت والمرافق العامة، ليجعل من العمارة لغة بصرية تعبّر عن هوية المكان وتاريخه بروح معاصرة.
وأكد الدكتور أن أنسنة المدن تبدأ من الإنسان نفسه؛ من فهم احتياجاته النفسية، وسلوكه اليومي، وعلاقته بالفراغ العام، مشددًا على أن المدن التي تهمل هذا البعد، مهما بلغت حداثتها، تظل منفصلة عن روح المجتمع. في المقابل، فإن المدن التي تحترم ذاكرتها العمرانية وتعيد توظيف تراثها بوعي، تتحول إلى بيئات جاذبة وملهمة، وقادرة على خلق ارتباط عميق بين الإنسان والمكان.
وتطرق الحوار إلى مناطق التأثير التي تشهد حاليًا جهود تطوير متسارعة، مؤكدًا أنها لا تزال في طور البناء والتشكيل، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تطويرًا أوسع وأكثر عمقًا، يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030. وأوضح أن هذه الجهود ستُسهم في إعادة تشكيل المشهد الحضري، وتحويل المدن إلى منصات ثقافية وسياحية تعكس هوية المكان، وتعزز جودة الحياة.
كما شدد الدكتور نبيل علواني على أن الطموح السعودي في هذا المسار لا يقتصر على الإطار الإقليمي، مؤكدًا أن المملكة تسير بخطى واثقة لتكون منافسًا عالميًا في مجال السياحة الحضرية، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، مستندة إلى إرث حضاري غني ورؤية مستقبلية طموحة.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن أنسنة المدن ليست مشروعًا عمرانيًا بحتًا، بل رؤية شاملة تتقاطع فيها العمارة مع الإنسان، والتخطيط مع الثقافة، والهوية مع المستقبل. وقد شكّل هذا الحوار إضافة نوعية لفعاليات معرض الكتاب في جدة، عاكسًا وعيًا متناميًا بأهمية المدينة بوصفها كيانًا حيًا، يتنفس بثقافة أهله، ويزدهر بإنسانيتهم.
