رغد محمد – جدة
في ظل ازدياد الوعي باضطراب طيف التوحد، يبرز دور الأخصائيين في توجيه الأهالي ومساندتهم في فهم احتياجات أطفالهم والتعامل معهم بطريقة علمية فعالة. في هذا الإطار، أجرينا حوارًا خاصًا مع الأخصائي أسامة عبابنة، المتخصص في تدريب وتأهيل أطفال اضطراب طيف التوحد، للحديث عن أبرز التحديات والنصائح للأهل في رحلتهم مع أطفالهم.
س: بدايةً، هل يمكن أن تعرفنا على نفسك وخبرتك في مجال التوحد؟
ج: أنا أسامة عبابنة، حاصل على درجة الماجستير في علم النفس الإكلينيكي – أطفال ومراهقين، وأعمل أخصائي تدريب وتأهيل لأطفال اضطراب طيف التوحد منذ أكثر من اثني عشر عامًا.
خلال هذه السنوات، تعاملت بشكل مباشر مع الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد والاضطرابات النمائية والنفسية، وشاركت في برامج تقييم وتشخيص وتدريب مكثفة، إضافة إلى عملي الميداني مع الأهالي وتدريبهم على أساليب التعامل اليومية مع أبنائهم.
س: ما أبرز التحديات التي يواجهها الأهل عند التعامل مع أطفالهم المصابين بالتوحد؟
ج: التحديات كثيرة ومتنوعة، بعضها يتعلق بالطفل نفسه وبعضها بالأهل. ومن واقع خبرتي، أرى أن أبرزها:
1. الصلابة النفسية لدى الأهل: بعض الأهالي يعانون من القلق أو الإرهاق النفسي، ما يجعلهم ينهارون أمام سلوكيات الطفل الصعبة. لذلك، دعم الأهل نفسيًا جزء أساسي من العلاج.
2. المقارنة بالآخرين: مقارنة الطفل بأقرانه تُضعف ثقة الأهل بأنفسهم وبطفلهم، وتؤدي إلى الضغط أو الإهمال.
3. المعلومات الخاطئة: اعتماد الأهل على مصادر غير علمية من وسائل التواصل قد يربكهم ويؤثر سلبًا في تعاملهم مع الطفل.
4. التوقع بنتائج سريعة: التوحد لا يُعالج بسرعة، فهو اضطراب يحتاج تدريبًا طويل المدى وصبرًا كبيرًا.
5. العلاقة بين الوالدين: التوحد غالبًا يختبر قوة العلاقة بين الأب والأم، فكلما زاد التعاون بينهما، انعكس ذلك إيجابًا على تقدم الطفل.
س: كيف يمكن للأهل التعرف على احتياجات طفلهم بشكل أفضل؟
ج: من خلال المشاركة الفعلية في تقييم الحالة، وملاحظة سلوك الطفل اليومي، والتعاون المستمر مع الأخصائيين.
الأهل شركاء أساسيون في الخطة العلاجية، وتفاعلهم يتيح لنا بناء صورة دقيقة عن قدرات الطفل ونقاط احتياجه.
التعامل مع التوحد يحتاج ملاحظة تحليلية دقيقة، لا اجتهادًا فرديًا أو عاطفيًا.
س: ما النصائح الأساسية للأهل للتواصل الفعّال مع طفلهم المصاب بالتوحد؟
ج: أهم قاعدة هي الاستمرارية في التدريب. فالكثير من محاولات التواصل تفشل لأن الأهل لا يلتزمون بها بشكل يومي.
يجب أن يكون الهدف تحسين التواصل الوظيفي، وليس فقط نطق الكلمات.
وفي بعض الحالات، استخدام أنظمة التواصل البديلة مثل الصور يكون أنجح من انتظار لغة منطوقة محدودة.
كما أن سقف التوقعات يجب أن يكون واقعيًا؛ لا مرتفعًا بشكل مرهق، ولا منخفضًا لدرجة تضيع معها فرص التعلم.
س: كيف يمكن التعامل مع نوبات الغضب أو القلق التي قد تظهر لدى الطفل؟
ج: الأساس هو تحليل السلوك الوظيفي، أي معرفة ما الذي يسبق السلوك وما الذي يليه.
فقد تكون نوبة الغضب ناتجة عن ألم جسدي، مثل التهاب الأذن أو الأسنان، وفي هذه الحالة يختفي السلوك بعد علاج السبب.
وفي حالات أخرى، يكون الغضب وسيلة للتعبير عن رغبة أو طلب، وهنا نعلم الطفل وسيلة تواصل بديلة.
أما القلق، فيُعالج بأساليب مثل الاسترخاء، والتعرض التدريجي، وتنظيم الروتين اليومي — وهي طرق مثبتة علميًا في خفض القلق لدى أطفال التوحد.
س: هل العلاج عن طريق الأخصائيين ضروري، أم يمكن للأهل التعامل بمفردهم؟
ج: الأهل يمكن أن يكونوا شركاء فعالين جدًا، لكن وجود إشراف من أخصائي مختص ضروري لتوجيههم وضمان أن التدريب يسير بشكل علمي صحيح.
الأخصائي يتابع التطور خطوة بخطوة، ويُعلّم الأهل المهارات المناسبة للتعامل مع كل حالة فردية.
س: مع العلاج المستمر، هل يمكن أن يتعافى الطفل كليًا، أم يتحسن فقط؟
ج: اضطراب طيف التوحد اضطراب عصبي نمائي مزمن، لكنه قابل للتحسن الكبير والتطور المستمر.
التحسن لا يعني فقط تقليل الأعراض، بل تطور الطفل في مجالات الإدراك والسلوك والتواصل والاستقلالية.
كل مرحلة من حياة الطفل تحتاج دعمًا خاصًا، بدءًا من الدمج المدرسي وحتى التأهيل المهني.
ومع الالتزام والصبر، يمكن للطفل أن يحقق تقدمًا ملحوظًا ويعيش حياة أكثر استقلالية وتوازنًا.
س: أخيرًا، ما النصائح التي توجهها للأهل للتعامل مع التحديات اليومية؟
ج: أهم النصائح التي أوجهها من واقع عملي هي:
تنظيم البيئة المنزلية لتكون واضحة ومتوقعة للطفل، مما يقلل القلق والسلوكيات الصعبة.
تقليل استخدام الشاشات لأنها تؤثر سلبًا في التواصل والانتباه.
الاهتمام بالنظام الغذائي، فبعض الأطعمة قد تؤثر في السلوك والنوم والتركيز.
الاستفادة من الروتين اليومي لتعليم المهارات الأساسية مثل العناية الذاتية وتنظيم الوقت.
التركيز على قدرات الطفل ومواهبه الخاصة، فهي المفتاح لتقدمه واندماجه في المجتمع.
في ختام هذا اللقاء، يؤكد الأخصائي أسامة عبابنة أن رحلة التعامل مع اضطراب طيف التوحد ليست سهلة، لكنها ممكنة بالصبر، والعلم، والإيمان بقدرات الطفل. فكل تقدم صغير يُعد إنجازًا كبيرًا نحو حياة أكثر وعيًا وتقبلًا.
				